السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد :
لي صديق جاء من اليمن وعرض عليّ أمرا والقصة طويلة .
وباختصار شديد قال لي : إنه عنده جماعة من الجن المسلمون وقال لي : إنه يريدني أن أتعامل معه لنفك السحر وأنا رفضت وقال لي لماذا ؟ فأجبته بأن التعامل مع الجان حرام كانوا مسلمين أو لم يكونوا . وطلب مني دليل مقنع .
وأرجو منكم أن تفتوني بهذا مع الأدلة .
ولكم جزيل الشكر.
وجزاكم الله الخير والعلم النافع بإذن واحد أحد .
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك ربي الحسنى وزيادة
لا يجوز التعامل مع الجن لا في فك السّحر ولا في علاج المسّ ولا في غيرها من الأغراض ، وذلك لأسباب عِدّة ، منها :
1 – أن ذلك كان لنبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام ، قال الله تعالى عن نبيِّه سليمان : (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)
ولأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن عفريتا من الجن تفلّت البارحة ليقطع عليّ صلاتي ، فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم ، فذكرت دعوة أخي سليمان (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) فرددته خَاسِئًا . رواه البخاري ومسلم .
فمن استعمل الجن فقد تعدّى هذا الأدب النبوي مع الأنبياء .
2 – أن الجن فيهم المؤمن والكافر ، وهم خَلْق خفيّ ، فما الذي يضمن أن هذا الجني الذي نتعامل معه مسلم ؟
لا أحد يستطيع أن يجزم بذلك .
وربما يقول قائل : إن هذا الجني الذي أتعامل معه يقول : إنه مسلم .
فأقول : حتى لو قال ذلك ، فمن يَضمن صِدقه .
وقد جاء شيطان في صورة آدمي إلى أبي هريرة رضي الله عنه ، وادّعى أنه فقير مسكين وله عيال !
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بِحِفْظِ زكاة رمضان فأتاني آتٍ فجعل يَحْثُو من الطعام فأخذته ، وقلت : والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : إني محتاج وعليّ عيال ، ولي حاجة شديدة . قال أبو هريرة : فخلّيت عنه ، فأصبحت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟! قال : قلت : يا رسول الله شَكَـا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخلّيت سبيله . قال : أما إنه قد كَذَبَك وسيعود ، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه سيعود ، فَرَصَدّته فجاء يحثو من الطعام فأخذته ، فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : دعني فإني محتاج وعليّ عيال ، لا أعود فرحمته فخليت سبيله ، فأصبحت ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة ما فعل أسيرك ؟! قلت : يا رسول الله شَكَا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله . قال : أما إنه قد كَذَبَك وسيعود ، فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله ، وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود ثم تعود . قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها . قلت : ما هو ؟ قال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) حتى تختم الآية ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح ، فخلّيت سبيله ، فأصبحت ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما فعل أسيرك البارحة ؟ قلت : يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله . قال : ما هي ؟ قلت : قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ، وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ قال : لا . قال : ذاك شيطان .
فالشياطين كَذَبَـة ، فربما يقول الواحد منهم : إنه مسلم ليتلاعب بالإنسي المسلم حتى يتمكّن منه .
ولذا فإن التعاون مع كفرة الجن أمْر مُحرّم لِمَا يَجُرّ إليه مِن الكفر والشِّرك .
3 – وُجِد مَن تعامَل في بادئ الأمر مع الجن ، وهو يظن أنه يتعامَل مع مسلمين حتى تمكّنوا منه ، فَصَار يَخْدمهم ، أو على الأقل تَرَك ما كان فيه من الخير .
بل بلغ الحال ببعضهم أن أنكر دخول الجن في الإنس نتيجة لهذا التعامل .
4 – لو كان في هذا خير لَمُكِّن منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم وَضَعتْ له اليهود سِحراً فلم يؤثِّر عليه ، ولم يلجأ إلى الجن ليُساعِدوه في معرفة مكان السِّحر رغم أنه عليه الصلاة والسلام كان يُخاطِب الجن أحياناً ويدعوهم إلى الإسلام .
ويَرى شيخنا العلامة الشيخ د . عبد الكريم الخضير حفظه الله : الْمَنْع مِن الاستعانة بالجن والشياطين ، وأن ذلك مِن خَواصّ نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام ، وأن إغلاق ذلك الباب هو الْمُتعيِّن ، وما يُدري الراقي أنه يتعامل مع مسلمين ؛ فهم خَلْق خَفِيّ .
والله تعالى أعلم .
المصدر شبكة مشكاة الإسلامية